‫الرئيسية‬ القذافي في الصحافة تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذافي
القذافي في الصحافة - 8 فبراير، 2024

تقنيات السرد واللغة في قصص معمر القذافي

كتب: فوزي البشتي

 بين السيرة الذاتية و الحكاية و القصة القصيرة و الانطباع الخاطف تكتنز مجموعة القصص القصيرة ( القرية.. القرية.. الأرض.. الأرض.. وانتحار رائد الفضاء.

     بنسيج متشابك من فنون القص التي تتشكل وفق قوانينها الخاصة و تتمرد على الضوابط و الأقفاص و القيود و التوصيفات النقدية المغلقة لتتفتح على فضاء يتسع لالتقاط التفاصيل، و يرسم مسافة شاسعة من البوح و استجماع الخطوط العامة للحظة وجدانية نفسية مكتفة، لكنها لا تختصر ولا تهمش فهي بقدر ما تلجا إلى هذه الكثافة الغنية بالدلالات بقدر ما تتحرك بحرية وشمول و صدق وجداني ليس مع الذات فقط بل مع الموضوع أيضا” الذي يستمد من التجربة الشخصية و المعاناة الوجدانية، أسس بنيانه وهو بالتالي يظل يتوهج داخل إطار معماره الخاص و نسقه الفني المغاير الذي لا يلتفت للأبنية الفنية السائدة و التقليدية و المتعارف عليها إن بناء الأقصوصة و معمارها الفني في هذه المجموعة القصصية يظل متفرداً أو مستقلاً عن (دوغمائية) الأقفاص الجاهزة التي تصنف الإبداع و ترتبه وفق قوانين جامدة يتم فرض سطوتها بإجماع عجيب وكأن الفن اكبر من الحياة ، بينما الفن هو شكل الحياة يخضع لقوانينها التي تعبر عنها بكل دفقها و تجددها و حركتها المستمرة إلى الأمام و إلي الجديد و المغاير المستقبلي.

     و هكذا فإن الذين يقرءون (القرية.. القرية.. الأرض.. الأرض.. وانتحار رائد الفضاء) باعتبارها مجرد نسق نثرى يحتفل بالمضمون وفق صياغات متعددة إنما يحتكمون إلى هذه الثوابت و المطلقات و الأحكام التقليدية الصماء و يخضعون  لسيطرة و أسر هذه المفاهيم المحدودة والمحددة التي لا تعترف إلا بهذا الوصف الأزلي للقصة وفق إطار جامد، وللشعر وفق نمط محدد ثابت إلى غير ذلك من القوانين التي تكبل الإبداع” وتتناقض وجوهره الذي يمل التمرد و التجديد و التجدد و الكشف المستمر عن علاقات جديدة و دلالات و مفاهيم تتوالد و تنجبس من رحم كل مرحلة زمنية لتعبر عن إحساس معاصر بهموم جيل هده المرحلة و معاناته الفكرية و الوجدانية، و توثبه المستمر من اجل إن يمسح عن وجه الحياة أدرانها ويحيلها إلى نبض إنساني بالسعادة والخلاص والانعتاق من كافة القيود و الأقنعة التي تغيب صفاءها و تشوه جوهرها و تطمس معالمها وتكبلها بسلسلة لا تنتهي من العلائق المتشابكة و المعقدة التي تقتل روح المبادرة وملكة التفكير الحر المستقل عن هيمنة الثوابت الاجتماعية التي اكتسبت نوعا من القداسة و هي مصدر كل جمود.

     و من هنا فإن هذه المجموعة القصصية، تكتسب أهميتها باعتبارها تجسيداً لمعاناة فكرية ووجدانية وفق شكل فني ومعمار هيكلي بنيوي يتخلص تماماً من اسر السائد والمألوف والمتعارف عليه ليبدع نسيجاً فنياً يختصر جميع فنون القول، التي تبدأ بهذا الاستخدام المتواتر لـ (ضمير المتكلم) (ففي.. القرية.. القرية.. الأرض.. الأرض.. و انتحار رائد الفضاء) يقول ضمير المتكلم كل شيء ولا يترك لضمير الغائب فسحة التدخل إلا نادراً .

      بل أن القاص يقوم بحشد تفاصيل تجربة شخصية ممهورة بتوقيعه ويحضر في قلب الأحداث ليقول: (يا للهول” من يخاطب الذات الشاعرة كي تشعر؟

من يناقش عقلاً جماعياً غير مجسد في آي فرد ..

من يمسك يد الملايين ؟

من يسمع مليون كلمة، من مليون فم في وقت واحد ؟

من في هذا الطغيان الشامل يتفاهم مع من ؟ ومن يلوم من ؟

ومن المن ذاته؟؟؟؟ أمام هذا اللهب الاجتماعي الذي يحرق ظهري أمام مجتمع يحبك ولا يرحمك.. أمام أناس يعرفون مادا يريدون من الفرد، ولا يأبهون لما يريده الفرد منهم يفهمون حقوقهم عليك ولا يفهمون واجبهم نحوك.. أمام نفس الجموع التي سممت (هانيبال) و أحرقت (سافونا رولا ) وهشمت رأس (روبسبير) و التي أحبتك دون أن تخصص لك حتى كرسياً في دار الخيالة أو منضده في مقهى../ تحبك دون أن تعبر عن ذلك بشيء مادي بسيط ككرسي أو منضدة في مقهى../ هذا ما فعلته و تفعله الجموع بمثل هؤلاء فبماذا أطمع أنا البدوي الفقير التائه في مدينة عصرية مجنونة، أهلها ينهشونني كلما وجد ونى..

أين لنا بيتاً غير هذا

أمدد لنا خطاً أرفع من ذلك

ارصف لنا طريقاً في البحر، ازرع لنا حديقة، اصطد لنا حوتاً

اكتب لنا تعويده.. اعقد لنا قرانا”.. اقتل لنا كلباً.. اشتر لنا هرا ا ؟؟ )

انه يرفض هذا الإيحاء بانتفاء العلاقة بين ما هو مكتوب و ما هو معاش..

بين ما هو حديث عن آخر مفترض، وما هو معاناة شخصية صريحة ومضمخة بعطر التجربة الشخصية وملابساتها، ولهذا السبب تلاحظ أن القاص نفسه يتحول إلى شخصية مركزية (قصة الفرار إلى جهنم .وقصة الموت).

     وبالرغم من اختلاط المصائر الشخصية بالمصير الجماعي في هاتين القصتين فإن القاص يهتم كثيراً برسم الذات كاشفاً لنا عن كينونة مرتبطة مباشرة وبصورة عضوية بجميع اضطرابات زهرا مضطرب ولهذا نرى أن أسلوب الأحداث يتوحد مع أسلوبه الخاص وتتولى (الأنا) بشكل أعمق عملية استدعاء الأحداث واستشارتها وتشكيلها فنياً وموضوعياً إن القاص في هاتين القصتين: (الفرار إلى جهنم.. والموت) يعلن المأسوي ويستدعى الأحداث الكبرى :(الكفاح والمعارك، واللحظات الوجدانية الحاسمة على المستويين العام والخاص، ويدعو إلى المواجهة وقهر الهزيمة وإجبار المصير على نزع قناعه و مقارعته.

     يقول:(فعليكم مقاومة الموت لإطالة أعماركم – مثل أبي الذي لم يستسلم له يوماً، وقائله دون خوف منه حتى بلغ عمره مائة سنة، برغم أنف الموت الذي أراد أن ينهيه في الثلاثين، فالموقف الصحيح هو المواجهة، أما الهروب حتى إلى الخارج فلا ينجي من الموت:(أينما تكونوا يدرككم الموت.. ولو كنتم في بروج مشيد ).

     ولكن إذا ضعف الموت نفسه، وتحول إلى أنثى غير جماهيرية ، وغير (لاتينية) وجاء (حريماً) مستسلما “بلا سلاح، ودخل بسلام وبإغراء وسكينة-حتى أحسسنا به في كل درة من جسمنا، وأسكرنا بهواه، وأخذ يدغدغنا حتى يضحكنا ونحن في سكرته، فليس من الرجولة مقاومته ومقارعته، حينئذ- بل من الواجب الاستسلام له حتى الرمق الأخير…).

       في قصة الفرار إلي جهنم مساحة هائلة من البوح، الذي تتفتح خلاله عوالم النفس وأغوار الأعمال، انه نوع من الإفصاح (الوجودي) الذي يصوغ حلمه الخاص.. لكنه رغم إيحائه بأنه متفرد وباحث عن ملاذ، وراغب في تكسير كل السلاسل والقيود التي يكبله بها الآخرون، ليبحر وحده إلى جزيرته الخاصة والنائية رغم كل هده الإيحاءات التي تلقيها قصة (الفرار إلى جهنم) حتى لنكاد نجد في كثير من لحظاتها، أنها ترديد للمقولة الوجودية الشهيرة :(الآخرون هم الجحيم) فان القراءة المتأنية للقصة لا تقودنا إلى هذا المفهوم (السار ترى) الوجودي، بقدر ما تؤكد لنا في كل سطر من سطورها، أن (الآخرين) يضلون في أحلام القاص، هم الأساس والهدف، هم الرؤيا البعيدة والأفق المستقبلي.. ذلك أن ما يبحث عنه بطل القصة، هو في الحقيقة. بحث عن جماعة حية وواعية، و يقظة ومنغمسة في الواقع، ساعية إلى تغييره، و باحثة عن معادلة الموضوعي، أكثر منه خروجاً عن الجماعة وهروباً منها.

    وهاجس الكاتب هنا هو الارتفاع من وعى فردى إلى وعى مشترك لتكون قوة الإنسان وليس قوة الفرد، انه يود إعطاء عمله قوة وديمومة أكبر، بربطه بروح مشتركة، ومن هنا منشأ انتقاده للحضارة المعاصرة والمثنية التي تتحول في قصصه إلى غياب نهائي وعزلة قاتله..

     أن حضارة تجعل من الفرد قيمتها العليا، هي عاجزة عن بناء واقعها… ومعمر القذافي يبحث عن حضارة تخضع للبشر وليس عن بشر يخضعون للحضارة، ومن أجل ذلك فهو في قصة (الموت) ينتهج سبلاً تلتقي فيها شخصيات بالمحن ليعبر على تأثير الفعل، ونكتشف من خلال هده القصة، أن منظور القدر والمصير ليس هو منظور الحياة، الشخصية هنا تعطي لنفسها المصير الذي تحتاج إليه لتكون ما تشاؤه، وتكشف لنا عن العزم البشرى المتجابه بضراوة مع محن الزمن الدامية ومع الموت، ذلك أن القدر لا يمكن أن يقهره إلا البعض.. وفي قصة (الموت) يرسم لنا معمر القذافي شخصية الرائد والمكون، ويعطينا أمثلة عن العظمة التي لا جدال فيها.. إن الموت يفشل في المعركة في معظم الأحيان، عندما يأتي في سحابة من النقع، و ألوية سوداء خفاقة في قلب العاصفة، إن الموت في هذه الحالة، وهو يظن انه يركب جواد الرهان الرابح، إنما يركب جواد الغرور، لأنه بهذا يدفع خصمه إلى التحدي والاستهتار، الأمر الذي يؤدي إلي هزيمته .

      إن ما يؤكده معمر القذافي هو ما يحبه، وما يفكر فيه، ليقول لنا، إن على الإنسان أن يرتكز على شطر مختار من ذاته. وقصة (الموت) تدعونا إلى الإرادة الأشد عناداً، فالحياة لأجل الحياة لا معني لها، والمهم ليس العيش، بل الكفاح إن لم يكن الانتصار، وإعطاء الذات البرهان بأن الهزيمة الحتمية قد رفضت، ولو في اللحظة الساطعة للموت، و يمكن أن يعتبر عشقاً للقدر، ما هو عشق للحرية،(وفى قدر الإنسان يبدأ الإنسان وينتهي القدر..) في قصة (الأرض.. الأرض.. القرية.. القرية وانتحار رائد الفضاء) التي اعتبرها قصة واحدة رغم أنها داخل المجموعة قصص ثلاث../ في هذه القصة تتخذ القضية مساراً آخر، و يأتي التوكيد اللفظي. بتكرار المفردة، ليضعنا في قلب الحدث، وفي مواجهة القضية:(الأرض والكون، المدينة والقرية، والفضاء الخارج عنهما، والمرتبط بهما في نفس الوقت).

      تلك هي القضايا الأساسية المترابطة والمتكاملة في هذه المجموعة القصصية كل منها يفضي إلى الأخر، ومن يقرأ هذه الهجاء الواسع للمدينة، سوف يتنفس الصعداء، وهو يغادر كابوسها إلى رحاب القرية، بعد أن يكتشف علائق جديدة، وربما اكتسب أيضا تكوينا (فسيولوجيا) ( وسيكولوجيا) أخر.

     إنه أسلوب الدوائر المتداخلة والحكاية التي تفضي إلى الحكاية، والممرات الصغيرة، التي تقود إلى الفناء الواسع، والتقاط التفاصيل المتشابكة التي تشكل النسيج العام، وذلك بأن تجعل من هجاء المدينة مدخلاً إلى رحاب القرية، ومن ثم يدفع بنا القاص إلى سياق أكثر اكتمالاً، وأكثر اتساعا، عندما يصبح الحثيث ، لا عن مدينة معينة ولا عن قرية معينة، بقدر ما هو حديث عن العالم كله ، كمدينة كبرى، فيما تظل التفاصيل موظفة لخدمة هذا الهدف، أو المفهوم العام الذي يجعل من حكاية المدينة والقرية، مجرد مسارب وإيقاعات للولوج إلى القضية الأساسية .

 (المدينة من قديم الزمان- ما بالك الآن- هي كابوس الحياة وليست، بهجتها كما يظن).

(المدينة مقبرة الترابط الاجتماعي).

(المدينة، تقليعة، صيحة، انبهار، تقليد غبي، استهلاك للعين، مطالب بلا عطاء مجد، وجود بلا معنى … ).

(المدينة تقتل الحس الاجتماعي.. والمشاعر الإنسانية..).

(هذه هي المدينة، طاحونة لساكنيها، وكابوس لمشيديها، تجبرك علي تغيير مظهرك، وتبديل قيمك، وتقمص شخصية مدينيه ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة ولا معني… حياة دودية (بيولوجية) تجبرك علي استنشاق أنفاس الآخرين غصباً، ولا تحمي.. وتجبرك المدينة على سماع أصوات الآخرين مع أنك لا تخاطبهم، وتستنشق أنفاسهم دون أن تطلب منهم ذلك، وتستمع إلى أصوات كل المحركات والمطارق بالكامل مع انك غير معني بتلك الأصوات).

   اهجروا الجحيم الأرضي، وفروا سريعا وبكل ابتهاج إلى القرية والريف، حيث للجهد الجسماني معناه وضرورته وفائدته..).

     ما الذي يحاول القاص أن يقوله من خلال هذه الثلاثية القصصية التي تهجو المدينة وتدعو إلى نبذها واكتشاف مساحات جديدة من النعيم والصفاء والصدق، ومن القيم أيضا، بعيدا عنها، واعتبار الفضاء خارجاً) لا جدوى منه، فجذور الإنسان تتمسك بالأرض وتجتهد من أجل تنمية وشائج الارتباط بها، ومن أجل ذلك يأتي التوكيد اللفظي متجاهلاً المدينة، فهو يقول (الأرض، الأرض.. ويقول (القرية، القرية) ولم يقل:(المدينة، المدينة).

     في تقديري أن هذا الإلحاح على العودة إلى الطبيعة، والعلائقية الاجتماعية غير الملوثة، ليست مثل دعوة (الرومانسية) الأوربية إلى العودة إلى الطبيعة، وهى أيضا ليست تمثلاً لاستجابات شاعر رومانسي إنجليزي مثل (وورذز وورت) الذي قالوا عنه أنه شاعر البحيرات الصافية، الناعمة، الهادئة، فهو يدعو إلى العودة لأحضان الطبيعة واستلهامها والالتحام بها والتواصل الوجداني معها والاعتكاف بين حناياها.. فالقاص في مجموعة (القرية، القرية، الأرض.. الأرض.. وانتحار رائد الفضاء) لا يدعو إلى طبيعة مجردة وملساء وفاقدة الصلة بوشائجها الاجتماعية انه يهجو المدينة، لا كيان مادي، بل كعلاقات اجتماعية، ويدعو إلي القرية لا كفسحة أو ترف أو اعتكاف… ولكن كوشائج اجتماعية، أكثر نقاء وأكثر قدرة علي تحقيق الحلم بعالم أفضل وإنسان جديد.

      (في قصتي (القرية والمدينة) رد على الاضطهاد الاجتماعي والاستعباد الميتافيزيقي، ودفع للحياة في طريق الحرية والنقاء والصدق، فالحضارة لا تعيش في طبيعتها، بل بما تكشفه لنا من الإنسان، وبالقيم التي تؤازرنا بها، وتنقلنا إليها، والقاص بهذا المعني لا تعنيه متاحف التاريخ، بل إنسان التاريخ… الحاضر والمستقبل، وحدها الحضارة الزراعية، توحد الإنسان والأرض والقبور؟

       ونحن لا نستطيع أن نعيش لفترة طويلة بالقواعد التي تتحكم في نظم البيئة والمجتمع ، تلك النظم التي يراها القاص أساس التوازن في تنوع الحياة من حولنا (فنحن لا نملك حق إصدار الأوامر للطبيعة، بقدر ما نملك من تقديم فروض الولاء والطاعة لها).

      انه إنسان المدينة كما يقدمه لنا القائد المبدع معمر القذافي يعاني أزمة في شخصيته وان أمراض المجتمعات الحضرية التي يعانيها سكان المدن هي نتيجة صراع القيم و فكل مرحلة من مراحل نمو المدن تصيب البناء الاجتماعي وتسبب المشكلات الكثيرة، كالعزلة وتشير قصة (المدينة) إلى أن المجتمع الحضري قسم الفرد إلى أدوار مختلفة، وجعله أمام منافسة قاسية للحصول على المكانة الاجتماعية وتركز القصة علي مقولة جوهرية مفادها، أن إنسان الحضر يعيش علي دخول غير ثابتة وغير كافية وغير آمنة، كما يعانى من انتشار الجريمة في ظل مسكن سيئ، وبيئة قاسية، وأحوال أسرية بائسة ويجد الحل لهذه المشكلات بالعودة إلى القرية، الريف، فهذه العودة وحدها كفيلة بإنقاذ الإنسان من ظاهرة العنف وانسحاق الفرد في آلية الحياة الاجتماعية، فالتكنولوجيا في لا شخصيتها تناقض جوهر الطبيعة الإنسانية المحبة للهدوء والاطمئنان، والبريئة من آلام الشهوات.

      إن مأزق الأرض أو(الكارثة) كما تسميها المجموعة القصصية للقائد معمر القذافي ليست كارثة طبيعية ولا هي هم (بيئوي) ناتج عن اختلال، كذلك الذي منذ عشرات آلاف السنيين جعل الديناصورات) تختفي؟

     ما الذي يجعلنا مثلا نقتلع الغابات الخضراء، ونحن نعرف أنها ثروتنا الوحيدة…؟

      سؤال يشكل خطورة أخرى، تجعلنا أكثر اقتراباً، إننا نقطع لنبيع ونستهلك، أو بعضنا يقطع لكي يستهلك بعضنا الأخر؟..

        إن الطبيعة التي كنا نسميها أمنا، صارت خادمتنا، بعني أنها صارت في خدمة رأس المال (المديني) المكدس.

      إننا نسمم الهواء والماء والأرض لكي يزداد إنتاج المال مالاً من دون أن يتراجع الربح و القاعدة هي فعالية، ربح المال في أقل وقت ممكن.

       إننا مستعجلون إلي موتنا ولسنا نملك وقتاً للتردد والمراجعة..

     أمطار (الأسيد) ومخلفات المصانع والنفايات النووية التي يقوم (ديناصورات) رأس المال بدفنها في أكثر من مكان في صحاري وبحار ما يسمونه العالم الثالث…وكل ذلك يقتل الأرض، و يلوث البحار والبحيرات فما بالك بالإنسان.. ونحن نقطع بحماس عجيب الغصن الذي نتعلق به…) .

    نغير مرة أخرى تركيب الجملة (إنهم يقطعون الغصن، الذي لنا، و الذي نتعلق به… ) .

     قصة الأرض.. الأرض…. (تحذرنا من هذا الخراب الذي يبدو انه قد عم..

تقول لنا:يمكنكم أن تتركوا كل شئ إلا الأرض.. الأرض فقط لا يمكن الاستغناء عنها.. إذا خربتم أشياء أخرى قد لا تخسرون ولكن إياكم أن تخربوا الأرض لأنكم عندئذ ستخسرون كل شيء..).

     (الحياة البيولوجية) التي تشمل حياة الإنسان بل التي على رأسها حياة الإنسان مصدرها الغذاء.. الغذاء بأنواعه، الصلب والسائل والغازي ..

    والأرض في وعاء هذا الغذاء فلا تكسروا هذا الوعاء الوحيد الذي لا بديل عنه إذا خربتم الأرض الزراعية مثلا، فكأنكم كسرتم إناء طعامكم الوحيد، فلا تستطيعون دونه أكلاً، وإذا خربتم الأرض الزراعية فكأنكم كسرتم وعاء شرابكم الوحيد ، الذي لا وعاء غيره لكم فكيف تشربون..؟!

      الأرض هي رئتكم للتنفس، فإذا خربتموها فلا رئة لكم تتنفسون بها..

    من بعيد من بعيد جداً كانت الأرض تبدو نجمة الفضاء الزرقاء الأجمل.. في نهايات القرن العشرين وعلي مشارف القرن الواحد والعشرين..

     حتى صورة الأرض الآتية من الفضاء البعيد تغيرت الصورة الأخيرة التي نقلتها لها الأقمار البعيدة جاءت تثير الحزن والأسف .

     وكذلك الهلع.. فزرقتها غدت مطفأة ويلف قسماتها دخان رمادي كثيف ولزج.

(إننا نخنقها) قال أخر رائد فضائي بعدما نزل من كبسولة؟ (هذا المشهد البعيد جداً، يدعونا إلى الاقتراب.. ربما رأينا وعلي مسافات متتالية، كيف استطعنا بسنوات قليلة جداً من عمر نشوئنا علي الأرض أن نفسدها إلى هذا الحد؟ .

    ماذا جرى؟ وما الذي يجري ويدفع بنا إلى الكارثة علي هذا المستوى الكوني؟

     تتساءل قصة الأرض (أي نوع من البشر هؤلاء الذين يؤذون الأرض، حتى الموت علي أي أرض يعتمدون بعد ذلك في معيشتهم؟ .

أين سيعيشون؟ من أين لهم الماء والغذاء؟

الأرض وحيدة ولا بديل عنها ولا عوض عنها، فأين تذهبون ؟

الجنة خلقت أشجارا، ولم تكن طرقا وأرصفة وساحات وعمارات..

وفساد الأرض وهو العبث بها وتحويلها إلى شئ أخر، غير تربة صالحة للماء والغذاء .

إذن، المحِّولون الأرض الزراعية إلى ارض غير صالحة للزراعة هم المفسدون فيها..)

     ربما هؤلاء المفسدون الذين تشير إليهم القصة هم الذين دفعوا رائد الفضاء إلى الانتحار، عندما اكتشف انه كان مجرد أداة تم استخدامها كلعبة في أيدي سماسرة الأرض وسماسرة الفضاء فبعد أن طاف الإنسان في الفضاء الخارجي وأصابه الدوار وبعد أن عجزت الميزانيات عن نفقات الفضاء الباهظة، وبعد أن نزل على القمر ولم يجد شيئاً، وبعد أن فضح رائد الفضاء تخاريص وترهات العلماء عن وجود محيطات وبحار فوق سطح القمر، وتنافست الدول الكبرى السفيهة على امتلاكها، وسمتها بأسمائها، وكادت تتقاتل فوق الأرض لاقتسام ثروات القمر وخاصة الثروات البحرية، وبعد إن اقترب الإنسان من كل أجرام المجموعة الشمسية، والتقط لها الصور، ويئس من وجود أي حياة فيها، ومن إمكان أي معيشة عليها، عاد ألي الأرض مصدوعاً مصاباً بالدوار والقيء والموت ولم تبق إلا حقيقة أن الأرض وحيدة وفريدة، وإنها مصدر الحياة وأن الحياة ماء وغذاء، وأن المكان الوحيد الذي يمدنا بذلك هو الأرض لا غير، وأن الحاجة الوحيدة الماسة هي الخبز والتمر والحليب واللحم والماء، وان الهواء الضروري للحياة لا يمدنا به إلا غلاف الأرض. هكذا ولهذا عاد الإنسان من طوافه الخارجي إلي سطح الأرض.

     وتقول لنا القصة بعد ذلك، أن (رائد الفضاء) خلع محبس المركبة الفضائية وارتدى بدلته العادية المناسبة للسير والمعيشة فوق الأرض، وانتهت مهمته مع مؤسسة الفضاء، وصار يبحث عن عمل أرضى ولكنه فشل فشلا مطلقاً لان المؤسسة الرأسمالية التي تمول برنامج استثمار الفضاء قد حولته إلى إنسان آلي واكتشف انه (محشو) من قمة رأسه حتى أخمص قدميه بالأرقام والمسافات والأبعاد والأكاذيب التي لايفهمها البشر ولايتعاملون معها… وهم بالتالي لا يستطيعون قبوله للعمل معهم أو إيجاد موقع له بينهم .

     لقد حولته المؤسسة الرأسمالية إلي آلة صماء ومجموعة من المعادلات والأرقام التي تصلح لاستخدامه في الفضاء فقط، إما في الأرض، فهو آلة ليس لها مكان سوى المتاحف، ومن أجل دلك انتحر رائد الفضاء كما تقول لنا القصة.

     تطرح قصة (انتحار رائد الفضاء) عدة مستويات من المعنى:

 المستوى الأول:أن آلة الرأسمالية، الشرهة والمحشوة بالأطماع، لا تعمل على إفساد الأرض وتسميم الهواء والماء فقط، ولكنها تعمل أيضاً على إفساد الإنسان وتحويله إلى رقم وعجينه من المعادلات من أجل غاية واحدة وهدف واحد هو أن تحقق المؤسسة الرأسمالية أرباحاً ويزداد المال مالاً حتى لو أدى ذلك إلى الكارثة.

 المستوى الثاني:يشير إلى أن غزو الفضاء التي تقوم به سلطه الاحتكارات الرأسمالية، لم يكن في الحقيقة إلا غزواً للأرض وتشديد الخناق على الشعوب الصغيرة، والاستمرار في نهبها وخنقها ومنعها من التفكير في إيجاد أي نوع من استقلالية قرارها والإبقاء عليها كأسواق مفتوحة، والمورد للأيدي العاملة الرخيصة، فنحن العالم المتخلف، الذي كان متخلفاً وغدا الآن يحمل تسمية المهانة المعمِّمة.

     نحن العالم الثالث-الذين نبيعهم نفطاً ولحوماً وخشباً ومواد خام تبدأ بالمواد الأولية لإنتاج (التربة) إلي المواد الأولية والأساسية لإنتاج القنابل الذرية فالقارة الإفريقية على سبيل المثلى مليئة بمناجم (اليورانيوم) وكافة المعادن الثمينة التي تقوم مؤسسات الاحتكار الرأسمالي باكتشافها وتصديرها باستخدام الفضاء الخارجي وإعداد رواد فضاء للقيام بهذه المهمة، وليس لاكتشاف أنهار في القمر أو حياة على سطح المريخ.

      إننا نعطي كل شئ من خيرات أرضنا، و يعطوننا مبيدات نتسمم بها، ممنوع استعمالها عندهم، ومسلسلات تلفزيونية تمرننا على دخول حلبات الاستشهاد والعنف.

    الـ 60 بالمائة الأغنياء يلتهمون ثلث الطاقة الموجودة وثلث الثروات الطبيعية المستعملة على الأرض كلها وحسب ما تشير إليه الإحصائيات فإن أمريكي شمالي واحد يستهلك ما يستهلكه خمسون من سكان هاييتي حتى لنأتي على ذكر (رواندا) و(بورندي) و(الصومال) و(جيبوتي) و (جزر المالديف)؟ .

      ولكن ماذا لو قامت شعوب الجنوب أو استطاعت أن تقوم باستهلاك ما يستهلكه ذلك الشمالي لو امتلأت سيارات ومصانع ذرية الخ ؟

     حينئذ سيفرغ العالم…. ستفرغ الكرة الأرضية من كل مخزونها من الطاقة خلال عشر سنوات ذلك إذا لم تنفجر بفعل بعض الكوارث من نوع (تشرنوبيل) أو بفعل الحروب السريعة كبرق قاتل ؟

      وكان ذلك التوازن القائم ولو كان واهيا وعلى حافة الكارثة-لن يستطيع الاستمرار إلا إذا استمر الظلم واستمرت اللاعدالة فنحن قريبون من اليأس لدرجة بتنا نفكر أن بؤس الأكثرية ضرورة قصوى لكي تستمر أقلية في تبذيرها وجشعها الذي لاحدود له ومن أجل ضمان هدا التفاوت الحافظ لاستمرار تشتد أسلحة الحروب تعقيدا لا تستطيع أن تكون ضد ذاتها وتحارب الفقر فإنها تحارب الفقراء وتبنى صرح ثقافة العنف والتدمير والنهب المتواصل والاستغلال في أبشع درجاته وصوره و أشكاله.

 إننا الآن اكتر اقترابا من المشهد:

    إن ذلك الصرح الجديد الذي تتم برمجتنا كلنا وكل شعوب الأرض على منهجه هو العيش وفق ما تخطط له وترسمه الآلة الاحتكارية الرأسمالية حيت المطلوب من العالم أن يتشابه إلى حد العمى ليخدم مصلحة (السيد الأوحد) مطلوب أن يكون على كامل الفساد والقذارة وألا ينجو أحد وان تلقى الكشافات الحارقة على الجميع أن يبدو الجمع البشرى بكافة مجتمعاته فاسدا وشريرا حتى يتدخل سيد إمبراطورية الشر الجديد فيعمم نموذجه التدميري للأرض والإنسان والقيم وهو النموذج الذي أخذ يتسلل لإفساد الأرض وعسكرة الفضاء وقتل الإنسان منذ حوالي ربع قرن أي من عمر اختلال التوازن علي كوكبنا الذي كان جميلا وازرق وبعيدا عن الشبهات والأطماع حتى انهارت الشيوعية وتوجت إمبراطورية الشر نفسها كسيد أوحد علي أعتاب القرن الواحد والعشرين… وحيث يتم تعميم نموذج (المدينة) كتقليعة، صيحة، انبهار، تقليد غبي واستهلاك لعين، مطالب بلا عطاء، وجود بلا معني… وحيث العيش على هذه الطريقة (المدنية) ليس مسموحا به إلا للأقلية الحاكمة في بلدان مسحوقة فتعميمه يعني انتحار الإنسان والإنسانية يقول القائد معمر القذافي (الناس يبنون المدينة للضرورة والحاجة ولكن المدينة تصير بعد ذلك كابوسا لابد منه بالنسبة لأولئك الذين بنوها وسكنوها… كل شي في المدينة بثمن وكل كمالية تكون ضرورية

وكل ثمن له ثمن.. له ثمن مادي أو معنوي ومن هنا تبدأ أزمة الحياة في المدينة (قصة المدينة ص/ 10).

    ومن أجل ذلك فنحن في المدينة لم نعد نعمل لنعيش، أصبحنا نعيش لنعمل، ولمزيد من العمل بعضنا، لأنه مهما فعل لا يستطيع أن يكتفي بما يحصل عليه، إذ أن عصا (الآلة)-الاستهلاك – مسلطة عليه وحرقة التبذير والاستمرار في التبذير لا ترتوي…

      وبعضنا الأخر، لأنه مهما فعل فهو لن يستطيع أن يسدد حاجاته الأساسية. لذا نحن الذين أسمونا عالما ثالثا أفهمونا انه ينبغي أن نحصل علي المال لأن المال يحررنا، صرنا نعمل بلا وعي، ملاحقين بهاجس المال الذي صار هلعنا، ووضع حريتنا في خبر كان…؟

      (أنت وما تملك). تقول لك شرائع المدينة، ونحن نصل الليل بالنهار لكي نأكل ونزداد إحساساً بالمذلة واليأس والإحباط والقهر، ونحن نجد (الأرض) تتحول إلى (مدينة) مركزاً واحداً، وتصير البلدان والأصقاع وكل الجغرافيا التي حولها أحزمة بؤس وضواح فقيرة، تتحضر للعنف وتمكنه وتكمن له.

     (في المدينة قد يقتل الابن أباه، والأب ابنه، وهو مسرع في قاطرة أو سيارة، أو أي عجلة، دون أن يقصد ذلك.. أنها سرعة المدينة، وزحمة المدينة، وأنانية المدينة.. والابن يشتم أباه في المدينة دون أن يعرفه، عندما يزاحمه في الطريق، أو يبهره بضوء سيارته بل كثيراًً ما اختلطت المحارم بالحلائل في المدينة، بسبب كثرة الناس، وسرعة اختالطها وافتراقها دون اكتراث)  (قصة المدينة ص ه 4) لم تعد المدينة التي يهجوها (معمر القذافي) ويدينها، مكاناً، صارت مجازاً ومنهجاً.

      خطوة أخرى، ونحن داخل المدينة النموذج، التي تسعى للخروج من المكان الجغرافي إلي المجاز، إلي تلخيص المجتمع البشرى في واقع قدر بائس يحكمه ولا يستطيع الإفلات منه.

      هذا القدر يتجسد في هذه الآلة العمياء التي تتقدم في صحراء من اليأس والاستسلام واللاوعي، لكي تفرغ الإنسان من نفسه، وهذا ما يحدث في المدن بصورة مطلقة، حيث يغرق الإنسان في البؤس ويتملكه خوف هائل من فقدان نفسه نهائياً، لذلك فهو ينكب على المخدرات ويندفع إلي الجنون وتهميش الذات، ويلهث خلف ديانات ومذاهب جديدة، يعتقد إنها تخترع أبعاداً روحية يستجير بها، وهي في الواقع ليست إلا محاولات للنجاة كيفما اتفق، أو للضياع كيفما اتفق.

      إن معمر القذافي الذي بشّر الإنسانية كلها بالخلاص والانعتاق والحرية، يدعونا في هذا العمل الإبداعي، الذي هو امتداد للنظرية الجماهيرية، أن نرفض القيم الزائفة التي تزرعها المدن العصرية.

     وأن نفتح أعيننا على بشاعتها لكي لا تتحول إلي نماذج مشوهة على شاكلة تلك المدينة (البو ليفية) التي تدعى (لياغا).. هذه المدينة ليست فيها مياه في البيوت، ولا تعرف أي نوع من أنواع الخدمات، لكنها تملك هوائياً تلفزيونيا هائلاً على جبلها القريب.

       لكي تتفرج على المسلسلات الأمريكية وتتعلم التطور و الحضارة و العدالة و حقوق الإنسان على الطريقة الأمريكية، ولكي تبيع كل ما لديها لتصرف.. وتفتح محل (ماكدونالد همبورغر) وتغرق في الشحوم وغيوم التلوث والعنف.؟؟؟

      إن معمر القذافي في هذه المجموعة القصصية، يمزق بالضغط الداخلي غلاف الشخصية، ويحدث انتقالاً من الخارج إلى الداخل، وهذا الأسلوب لم تكف الرواية الحديثة عن تأكيده، إنه في قصصه يحطم أطر الكتابة القصصية التقليدية، ويلقى بالإضافات العابثة بعيداً، فهنا يجرى حوار الذات الداخلي ويسقط الحواجز التي كانت تفصل بين الشخصيات، يتحول البطل إلي صورة العالم .

      فالكاتب بضحى بالعقيدة والطبائع، و يخلق علاقات جديدة بين الذاتية والموضوعية، همه في ذلك الإحاطة بزمنه، وبما فيه من عناصر جوهرية ووقف الالتواء في هذا العالم .

      يستأصل (معمر القذافي) من قصصه لغة (بطاركة) الأدب، ويركز في كتاباته على خلق الوعي، وإحداث الصدمة لدى القارئ، ويسأل:أين هو الإنسان في كعبة التكنولوجيا والتقدم، وحين يتأمل المدينة وناسها، يكتشف أن البشرية تبنى حول نفسها الجدران لذا فهو لا يهدف من مجمل أعماله الإبداعية ألي سوى تدمير الجدران، كي نبقى على قيد الحياة. وهو بهذا المعنى يدخلنا فسحة الحرية فالكاتب يبني عالما يرفض أن يشبه العالم الذي حوله.

      إن الكتابة هنا تحريض وتلاحم يطرق بنيرانه الباب الذي تدخل منه للقاء أعلى القيم .

      هكذا تتحول الكتابة إلى اتهام ووعي في آن وتطمح إلى وضع نهايات لمشادات الحياة.

        وإذا كان في بعض قصصه يكشف زيف الواقع وعجزه، و يتوقف أمام تاريخ ضاع معناه ليرد على الذين حولوا هذا التاريخ إلى خرافة ومجموعة من العناوين المجانية، إنما يفعل ذلك لكي يقول لنا أن التراث ليس السلفية أو البلاغية اللغوية، بل كل ما يعنينا على استيعاب الحاضر وترتيب الإنسان والعالم.

      أن التراث بهذا المعنى، هو تحول وليس حالة صدأ، وإذا كانت نوعية العالم هي مادة الكتابة القصصية فان نوعية الإنسان هي هدف هذه الكتابة.

      مع بدايات القرن الواحد والعشرين، وعينا انكسار الأحلام الكبيرة…وينتابنا هلع أن تتمخض البشرية في حملها الحالي بكائنات جديدة تكون مسوخا وتلزمنا بالتشبه بها. وحتى لا تقع البشرية في الشرك المنصوب لها يأتي فكر معمر القذافي، أنشودة خلاص وبشارة، ويقينا ثابتاً بضرورة أن نتمسك بقوة معرفتنا بأنفسنا، إن كان ما يزال وقت وفرصة .

     إننا مختلفون، وعلى حق وحقنا الأكبر هو البحث عن اختلافنا كخشبه خلاص وحيدة .

‫شاهد أيضًا‬

الرياضة والفروسية والعروض

الرياضة إما خاصة كالصلاة يقوم بها الإنسان بنفسه وبمفرده حتى داخل حجرة مغلقة ، وإما عامة تم…