‫الرئيسية‬ مقالات الجامعة العربية مجرد تجاهل للواقع .أم جهل به
مقالات - 6 فبراير، 2024

الجامعة العربية مجرد تجاهل للواقع .أم جهل به

تأسست الجامعة العربية في النصف الأول من القرن الماضي . و نحن الآن في القرن الحادي و العشرين , و الزمن لن يتوقف . سندخل القرون الثاني  و العشرين و الثالث و العشرين …إلخ . و الجامعة تتوقف عند النصف الأول من القرن العشرين . دول الجامعة العربية دخلت عام 1948م في فلسطين رسمياً . وكان ذلك أمراً مشروعاً . أما الآن فلا تقدر سياسياً على هذا . نودي عام 1916م بالشريف حسين ملكاً للعرب ، كل العرب ، بموافقة الحلفاء ضد العثمانية. و كان ذلك شيئاً مقبولاً أيضاً . أما الآن فمن يستطيع أن يعلن أنه ملك للعرب. وإذا أعلن أحد ذلك الآن فلن يقبل منه. و يكون في حكم المجانين . و تضحك عليه الناس . العرب ، وغير العرب . ونُصب أحد أبناء الشريف حسين ملكاً على السوريين . وهم ليسوا هاشميين. و كان مقبولاً. وعندما طرد من سوريا على يد الغزو الفرنسي نُصب ملكاً على قطر عربي آخر وهو العراق.  وكان ذلك مقبولاً في أول القرن الماضي .

وكان في إمكان رجل مثل عبدالعزيز بن سعود أن يخرج من بلدته ( الدرعية ) ويستولي بقوة السيف على بلدان عربية أخرى ويحكمها بالقوة مثل الحجاز الهاشمية .. ونجد .. وعسير .. و الأحساء .. و القصيم .. ونجران اليمانية إلى آخر الإمارات العربية المستقلة في جزيرة العرب . أما الآن فأنه لو حاول ابن سعود ضم إمارة صغيرة مثل عجمان أو رأس الخيمة . أو ضم قطر أو البحرين لقامت.. القيامة وزحفت جيوش الدنيا لإخراجه و محاربته كما فعلت الدنيا الآن عندما ضم العراق الكويت . وكان فاروق ملكاً لمصر و السودان حتى عام 1955م. و كان ذلك مشروعاً ومقبولاً كذلك.

أما اليوم فلا يقبل العربي استجارة أخيه العربي إذا اضطر إلى اللجوء إليه من عدوه. فالعربي الآن يلتجئ إلى دولة أجنبية لتقبله . أما الدولة العربية الشقيقة فترفض لجوءه إليها. بينما كان في الماضي يُقبل ويُحمى . أما الآن في ظل الجامعة العربية فغير مقبول ومرفوض سياسياً.

إذا احتلت بلادك قوة أجنبية فلن تجد متكأ في أي دولة عضو في الجامعة العربية. وقد كان قادة المقاومة ضد الاستعمار يتحركون بحرية داخل الوطن العربي. بل يجدون الحماية و الدعم رسمياً .. وكانت التبرعات لتأييد الكفاح المسلح . ومكاتب التطوع للقتال علنية . أما الآن فهذه الأمور ممنوعة رسمياً ، و علناً .

ونادى عبدالناصر بالوحدة العربية على أساس القومية العربية. و أيده و نافسه بعد ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي على نفس القضية . ثم تسلمت الراية ثورة الفاتح من ليبيا ، واندفعت في محاولات جادة.. واقتحامات جريئة لإنجاز نفس المهمة القومية. إلى أن دخل عصر الجماهير.. عصر العولمة.. عصر الفضاءات الكبرى.. و بدأت خريطة العالم تتشكل على أساس فضاءات ديمغرافية، برجماتية. لا اعتبار فيها للعرق أو الدين أو اللغة أو اللون. مثل الاتحاد الأوروبي.. والاتحاد الأفريقي.. والآسيان ورابطة الدول المستقلة أو الكومنويلث الجديد.. و تجمع شنغهاي.. ومنظمة جنوب آسيا أو فضاء شبه القارة الهندية او المحيط الهندي.. وحتى فضاء النافتة NAFTA من المكسيك إلى كندا (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ) . و لا يعترف عالم الفضاءات بأي روابط معنوية أو ثقافية؛ لأنها وشائج غير عملية.. غير برجماتية غير مادية.. غير اقتصادية. عملياً و اقتصادياً لا يمكن ربط الدين بذلك.. ولا ربط القومية بذلك.. ولا ربط اللون أو حتى اللغة؛ لأن أرضية الخريطة الجديدة هي الديمقرافية فقط، أي البقعة التي يمكن ربطها بالبنيات التحتية.. ثم الفضائية حيث السوق الواحد .. و الجمارك الواحدة.. و التأشيرة الواحدة و الطرق أو المواصلات الواحدة … والقمرالصناعي الواحد. بقعة من منفعتها الاندماج ووحدة الموقف التفاوضي مع الفضاءات الأخرى.. و قوة المنافسة معها أيضاً.

العرب جنس واحد.. و لغة واحدة.. و ثقافة واحدة.. ودين واحد في الغالب.. سواء أكانوا عرباًً بربر أو عرباً بحر بحر. لاشك في هذه الحقيقة.

ولكنهم ديمقرافياً ليسوا كذلك . بعضهم في آسيا. و بعضهم في أفريقيا.. وبعضهم غيرهذا أو ذاك أى في شبه جزيرة العرب..الذين في أفريقيا هم جزء لا يتجزأ منها. أى هم أعضاء الاتحاد الافريقي الذي كان نتاج العولمة. ومصيرهم اليوم وغداً هو مصير الفضاء الأفريقي.وبذلك انفصل العرب الأفارقة عن عرب آسيا بحكم طبيعة العصر (بينهما برزخ لايبغيان) عصر العولمة.. عصر الفضاءات. و في الغد سيكونون ولاياتٍ ضمن الولايات المتحدة الافريقية. مثلهم مثل الأوروبيين الذين كونوا الولايات المتحدة الامريكية. وأصبحوا أمريكيين رغم أن أصلهم أوروبي. وبهذا يصبح ثلثا العرب أفارقة كما أصبح الأوروبيون أمريكيين. و سيكون للاتحاد الأفريقي كيان واحد سياسي.. و اقتصادي.. و أمني .. وحتى ثقافي و لغوي في المستقبل قرب أو بعد. ستكون هوية أفريقية واحدة.. وعملة واحدة.. وجيش واحد، أي دفاع واحد و خارجية واحدة ،  ومركز تفاوضي واحد مع العالم.

أما عرب آسيا فلا نعلم عن مصيرهم شيئاً..قد يصبحون جزءاً من فضاء آسيوي لم يولد بعد . و هذا المرجح . وقد يتوزعون بين عدة فضاءات قادمة ..بعضها آسيوي ..و بعضها متوسطي .. وبعضها غير ذلك . وهي احتمالات مرجحة كذلك .. الواضح في الأمر أنهم سيتوزعون .. ويتفرقون (أيدي سبأ) حيث ستجذبهم جاذبية الفضاءات الكبرى ، و يتمزقون . وكذلك مصير إيران وأفغانستان ما لم تنضمّا إلى فضاء المحيط الهندي ( منظمة جنوب آسيا ) أو أىِ فضاءٍ آخر كبير مربوط ديمغرافياً بها . مثل ( إيكو )  .

وإذا لم يكن هكذا فسيذوبون ككيانات . وقد يصيرون مثل الزيت العازل لمنع احتكاك الآلات .

أما الذي يقول : لِمَ لايصبح العرب فضاءً  وحده . فنقول له لايمكن ذلك ؛ لأن العربي الأفريقي قد اندمج في الاتحاد الأفريقي . وهذا ليس بخيار ، بل واقع ضروري لا بقاء تحت الشمس بدونه . إنها الديمقرافية . أفريقيا أفريقيا .. وآسيا آسيا . العربي الأفريقي معزول عن العربي الآسيوي جغرافياً . والعربي الآسيوي ليس أفريقياً . بل هو آسيوي ديمقرافياً ، ( ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ، إذ إن الحكم هنا للديمقرافية وليس للعواطف القومية أو الروحية . القومية والدين وما إليهما لا جدوى منهما إذا كانا خارج نطاق الفضاء الديمغرافى الواحد ذي السوق الواحد.. والاقتصاد الواحد .. والمركز التفاوضي الواحد.. والدفاع الواحد .. و العملة الواحدة.. والبيئة الواحدة .. والهوية الواحدة .. وحتى القمر الصناعي الواحد. والقوة التنافسية الواحدة. فلا علاقة اقتصادية، ولا أمنية، ولادفاعية، بين نيجيريا وإندونيسيا . رغم الدين الواحد . ولابين موريتانيا والعراق، رغم الجنس الواحد.

والعرب في أفريقيا وهم ثلثا العرب لو قرروا تكوين فضاء لا يمكن لهم ؛ لأنهم أضعف أساساً من ان يكوّنوا فضاءً، بكل مقاييس العصر ، ولكنهم يمكن أن يكونوا دولة واحدة ، أو جزءاً واحداً ضمن الفضاء الأفريقي. والاتحاد الأفريقي.

كذلك عرب آسيا أضعف من أن يكونوا فضاء على حدة . لأن للفضاء مقومات استهلاكية وإنتاجية تؤهل للتفاوض وللمنافسة العالمية . وهذا لا يوجد إطلاقاً لدى عرب آسيا. أوعرب أفريقيا. ولا هما معاً. ولا يتأتى لإيران وحدها ،  أو لأفغانستان وحدها . أو حتى إن اجتمعتا. وتكفي لنقتنع بهذا نظرة على الناتج المحلي الإجمالي لدول وفضاءات :

الناتج المحلي الإجمالي لـ 15 دولة فقط في الفضاء الأوروبي = ¼9 تريليون .

ومجموع الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية = 700 مليار .

الناتج المحلي لدولة أوروبية جنوبية مثل إيطاليا = 1.5 تريليون .

والدراسة تقول: إن إيطاليا ستختفي خلال 30 سنة ما لم تكن جزءاً من الاتحاد الأوروبي . رغم أن ناتجها المحلي ضعف ناتج كـل دول الجامعة العربية مجتمعة .

ثم إن العرب لو أنهم قادرون على تكوين فضاء واحد ، لكانوا قادرين على تكوين وحدة قومية في عصر القوميات . بل إن العالم المسمى الآن بالعالم العربي ، أو الوطن العربي قادم على احتمالات خطرة جداً من تمزقات عرقية .. وطائفية لاحصر لها  بحكم طبيعة العصر الحالي .. عصر الفضاءات الكبرى .. وعصر حمى الأقليات.

إن الكلام عن أي عمل عربي مشترك .. أو أي هيكلية جامعية. أو أي إجراءات عملية ، أي محاولات ستفشل أمام الواقع .. إن التمسك بالجامعة العربية مجرد تجاهل للواقع أو جهل به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الرياضة والفروسية والعروض

الرياضة إما خاصة كالصلاة يقوم بها الإنسان بنفسه وبمفرده حتى داخل حجرة مغلقة ، وإما عامة تم…