‫الرئيسية‬ الكتب مشروع الكتاب الأبيض
الكتب - 6 فبراير، 2024

مشروع الكتاب الأبيض

إن الهدف من تقديم الكتاب الأبيض هو حل مشكلة الشرق الأوسط ، مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي  ، حلاً جذريا يستند على حجج علمية محايدة  ، بعيد عن العواطف والمصالح الضيقة لكل طرف من الأطراف  .

وهو حل  ينشد تحقيق الأمن والسلام  لجميع شعوب المنطقة ، ويخدم مصلحة  الطرفين المتنازعين  ، في إنهاء الحروب والصراعات بينهما ، وتحقيق ألاستقرار و الازدهار والتنمية  في المنطقة .

إن هذا الكتاب الأبيض يقود مباشرة إلى ذلك المفتاح الذي يخول الطرف الرئيسي في القضية و هم العرب إبلاغ هيئة الأمم المتحدة رسمياً قبولهم الاعتراف الكامل و التام بالكيان القائم كدولة واحدة بين نهر الأردن و البحر المتوسط بعد تنفيذ الشروط التالية :

أولاً : قيام دولة يتمتع جميع سكانها بحقوق المواطنة دون تمييز من أي نوع ، و يطلق عليها اسم يتم اختياره في استفتاء عام يمكن أن يكون دمجا لمقطعين من اسمي فلسطين و إسرائيل ، إسراطين  مثلا .

ثانيا : عودة اللاجئين الفلسطينيين من الشتات ، و حصولهم على كافة حقوق المواطنة .

ثالثا : إجراء انتخابات عامة حرة تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة  ، تشمل جميع السكان بمن فيهم اللاجئين السابقين .

رابعا : نزع أسلحة الدمار الشامل الذرية و الجرثومية و الكيميائية من الإسرائيليين بإشراف مباشر من الشـــرعية الدولية  ، وخضوعها للمراقبة من الأمم المتحدة .

 

وهو حل سيؤدى إلى : قيام دولة واحدة من النهر إلى البحر يقطنها كل الفلسطينيين والإسرائيليين  ، يعود إليها كل اللاجئين الفلسطينيين منذ عام الثمانية و أربعين وغيرهم ، دولة متعددة الأديان و ألا ثنيات ، دولة  ديمقراطية  يتم  إدارتها بواسطة نظام ديمقراطي حر تكون السلطة فيه عبر انتخابات حرة وديمقراطية تشرف عليها الأمم المتحدة  ،  دولة منزوعة أسلحة الدمار الشامل ، مما يجعل من جيرانها يتقبلونها ويتعايشون معها ويعترفون بها ، ولتأخذ مكانها في كافة المنظمات الدولية ولإقليمية وفى مقدمتها الجامعة العربية .

 

إن ما يبدو غريبا في هذا الحل يمكن أن يفهم باستعراض هذه المقومات والمكونات التاريخية والديمغرافية السكانية والجيوستراتيجية وغيرها .

 

فالمتفحص في التاريخ القديم لمنطقة الصراع التي تعرف عند العرب والمسلمين بفلسطين ،  وعند اليهود بإسرائيل ، يجد أن القبائل المختلفة من سامية وعبرانية وكلدانية  قد سكنتها ، فهي بلاد الشام أو أرض كنعان  بالنسبة للقبائل الكنعانية التي سكنتها منذ العصر الحجري ،  ثم جاءت إليها قبائل ( فلستيا أو فلستين ) من جزيرة كريت (اقريطش ) في القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، واختلطت بالكنعانيين وأطلق عليهم فيما بعد الفلسطينيون ، ووفد عليهم العبرانيون في القرن الثالث عشر قبل الميلاد مــــن ( أور الكلدانيين ) ، ونعتهم الكنعانيون بالعبرانيين لعبورهم مع نبي الله إبراهيم أحد النهرين الفرات أو الأردن ، حيث استقروا جميعاً في هذه المنطقة واختلطوا بأهلها وتكلموا لغتهم ( السامية ) ، ونظرا لطبيعتهم القبلية فقد عاشوا رحل ومنعزلين بعضهم عن بعض ، يتصارعون  على مصادر المياه والكلأ ، حيث تبادلت جميع تلك القبائل حكمها لفترات تاريخية متعاقبة ، ثم سعوا إلى تأسيس بعض المدن والحواضر على  ملتقيات الطرق التجارية وعلى مصاب ومجارى الأنهار ،  فالفلسطينيون على سبيل المثال أسسوا خمس مدن مستقلة في الجزء الجنوبي من الأراضي الساحلية وأهمها كانت مدينة غزة ، أما العبرانيون فقد أقاموا مناطقهم في المرتفعات ، وكانت عبارة عن تجمعات معزولة عن المناطــــق التي يقطنها الكنعانيين .

 

لقد شهدت المنطقة اندلاع حروب وصراعات وغزوات متواصلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، لم تكن حاسمة ونهائية بينهم ، بل كانت سجالاً ، تقاسم فيها الطرفان الانتصارات ، كما خضعت مدنهم وتجمعاتهم لموجات الغزو الخارجي من الأمم والأجناس القريبة والبعيدة   كالآشوريين  والبابليين ، والرومان والعرب المسلمين .

 

 

ولذلك فلكل الأطراف  الحق في العيش في هذه          المنطقة ، فالأجداد جميعاً  منها ، ولا يملك أحد حق الإدعاء بأن له الحق فيهــــــــا دون الآخر ، فهي بلاد مشتركة لهم  ، و لكل الأطراف ارتباطات تاريخية بها  ، وجميع شعوبها  ساهمت في تكوين  وتراكم حياتها الثقافية والاجتماعية والسياسية .

 

 

اما بالنسبة للتاريخ المعاصر ، فقد بدأت المشكلة اليهودية منذ أن كتب الصحفي الأسترالي تيودور هرتزل كتابه ” الدولة اليهودية ” عام 1886 ف حولها ، مستهدفا تقديم تصور لحل مشكلة يهود أوروبا الذين يعانون من التمييز والاضطهاد ، حيث طرح فيه فكرة إقامة  وطن لهم ، وطرح مجموعة من الدول ليتم إنشاء ذلك الوطن فيها ، كالأرجنتين وأوغندا أو فلسطين أو العريش أو سيناء ، ليتبنى المؤتمر اليهودي ببازل بسويسرا عام 1897 ف أفكاره ويدعو إلى وطن قومي لليهود  في فلسطين .

وكان العرب في ذلك الوقت ولايات عثمانية تسعى للانفصال عن الإمبراطورية العثمانية وتشكيل دولها المستقلة ، وهو ما أدي إلى تحالفهم مع بريطانيا في ذلك الوقت بعد أن تعهدت لهم بتحقيق مطالبهم في الاستقلال .

إلا أن نكوص بريطانيا بتعهداتها والتزاماتها للعرب بعد اتفاقية سايكس بيكو مع فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى ودخول قواتها في فلسطين ،ووعدها لليهود بتمكينهم من فلسطين ، واعتبارها الوطن القومي لهم على لسان وزير خارجيتها بلفور  ( 2/11/1917ف ) ،  حيث  تم الاتفاق على وضع فلسطين تحت وصاية دولية وفرض الانتداب البريطاني عليها . وهو ما أدى إلى تفجر الصراعات بين سكان تلك المناطق خاصة بعد أن أقدمت على اتباع سياسات تشجيع الهجرة وشراء الأراضي ، حيث تم إصدار القوانين المشجعة لتنفيذ الوعد البريطاني بلفور بوطن قومي لليهود في فلسطين الذين كانوا يشكلون نسبة قليلة من السكان لاتزيد عن 6 % من الفلسطينيين ليرتفع الرقم إلى حوالي 30 % في ظرف ثلاثة عقود  ، حيث بلغ عدد العرب مليون واليهود أربعمائة ألف .

لقد كان كل ما يطالب به اليهود في تلك الفترة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى إعلان  دولة إسرائيل من طرف واحد عام ثمانية و أربعين  هو معاملتهم على قدر المساواة مع الفلسطينيين باعتبارهم أقلية محدودة ، من خلال  الدعوات إلى إنشاء برلمان منتخب وحكومة مسئولة وممثلة لجميع الأطراف  ( محادثات بن غورويون مع عدد من رجال الحركة الوطنية العربية واقتراح إقامة مجلس تشريعي فلسطيني يضم العرب واليهـــــود والمسيحيين والإنجليز ) ومشروع السير آرثر جرنفيل واكهوب المندوب السامى البريطانى على فلسطين فى مطلع الثلاثينات ( 1934-1935 ) بإنشاء مجلس تشريعي مشترك من اليهود والعرب والإنجليز .

كما أن تواجد اليهود وهجرتهم إلى فلسطين لم يمنع البلدان الأخرى من اقتراح وطن لهم كمشروع الاتحاد السوفيتي عام 1934 بإعلانه مقاطعة بير بدزان مقاطعة يهودية ذات حكم ذاتي تتمتع بكل مواصفات الأمة .

كما أن المقترحات البريطانية في مؤتمر ( سان جيمس ) سنة 1939 ف  ، والذى حضره ممثلو اليهود والفلسطينيون والعراق والسعودية ومصر واليمن وشرق الاردن  ، كانت  اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات صبغة اتحادية ، وحكومة يشترك فيها العرب واليهود ، مرتبطة بمعاهدة مع بريطانيا لفترة انتقالية ، لها دستور ويمثل جميع سكانها  ، على ان يتم تحديد الهجرة غير المشروعة ومنع بيع الأراضي .

وهو ماد فع الحكومة البريطانية إلى تعديل المقترحات وطرح مشروع ( الكتاب الأبيض ) سنة 1939 ف والذى تضمن اقتراح اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ان يساهم فى حكومتها العرب واليهود بما يضمن مصالح الطرفين ، وتنظيم الهجرة ومنع بيع الأراضي ،  وهو ما رفضه اليهود واعتبره العرب خطوة على الطريق .

كما طرح المبعوث البريطاني الكولونيل ( س . ف. نيوكومب ) عام 1940 ف عضو مجلس العموم البريطاني وصديق الكولونيل ( لورنس ) تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة يتساوى مواطنوها اليهود والمسلمون ، وبضمــانة بريطانية .

كما طرح اللورد موريسون بعد زيارته لفلسطين عــام 1946ف حلاً  قدمه إلى مجلس العموم البريطاني ، يتضمن إقامة حكومة مركزية مختلطة وشاملة للمنطقتين  العربية واليهودية ، لها السلطة في أمور الدفاع والعلاقات الخارجية والجمارك وتطبيق الشرائع والقوانين وحفظ النظام .

وكبديل لرفض هذا الحل من جانب العرب واليهود تقدم العرب بالإجماع بحل يدعو إلى استقلال فلسطين في دولة موحدة وانتهاء الانتداب وقيام حكومة مركزية ديمقراطية يتمثل فيها العرب واليهود حسب تناسب السكان ، منح الأماكن المقدسة صبغة دولية .

كما قدم ( المستر بيفن ) وزير خارجية بريطانيا آنذاك  مشروعه المعروف باسمه لإقامة مناطق عربية ويهودية تتمتع بدرجة عالية من الاستقلال الذاتي في نطاق دولة واحدة ذات حكومة مركزية .

إلا انه ومع العام 1947 ف تم عرض قضية فلسطين على الأمم المتحدة ، حيث شكلت لجنة أوصت في تقريرها بالتقسيم على أن يكون لكافة السكان ضمان الانتفاع بالموانئ والمياه والحصول على ضمانات دستورية ، وقد امتنع المندوب البريطاني عن التصويت لان ( بلاده لا تتحمل عبء تنفيذ قرار لا يشارك فيه العرب واليهود ) على حد قوله .

إن قبول قرار التقسيم كان بداية لما اعتبرته الكاتبة الأمريكية ثاثبيت بيتران ( بداية لخطأ جسيم )  ، حيث كان يعنى أن يحكم اليهود منفردون دولة تشمل 50 % من العرب ويملكون 90 % من الأراضي ، وأن يحصل  ثلث السكان الذين يملكون  6 % من الأراضي على 65 % من المجموع الكلى لفلسطين  ، وتحويل العرب إلى لاجئين مطرودين ، أو تسليم الغالبية من السكان المسلمين بغير إرادتهم  إلى دولة أقلية ليست دولتهم ، و هدم أسس دولة قائمة ونفى وجود شعبها وحقه في تقرير مصيره ومحاصرة بعض المدن ( يافا ) بسياج لا تنتمي أليه استعداد لضمها للدولة الجديدة .

إن هذا الخطأ الجسيم  الذي ارتكب في معالجة موضوع  الصراع العربي الإسرائيلي  منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية و أربعين حين تم الإعلان عن هذه الدولة من طرف واحد لازال مستمراً حتى يومنا هذا .

مما جعل الطرف الآخر الفلسطيني ومن ناصره يطالب بحقه في إعلان دولته  ، وما تبع ذلك  من تحالفات وصراعات لازالت المنطقة تكتوي بنارها حتى اليوم .

إن أي محاولة لتجنب الحروب والنزاعات والصراعات في هده المنطقة لا يمكن أن يكتب لها النجاح ما لم تتجه إلى تصحيح هذا الخطأ الفادح الذي ارتكب عام  ثمانية و أربعين .

وان ذلك لا يمكن أن يتم ما لم يتم دحض الحجج و الاطروحات ألتي بنى عليها كل طرف شرعيته الحقيقية والمزعومة والتي تراكمت لتشكل جزء من هوية عنفيه أو صراعيه  ، فالإسرائيليون ومنذ بدايات القرن الماضي  يشكلون  الأقلية ، حيث كان  اغلب سكان هذه المناطق من الفلسطينيون وكان ذلك مــبرر رفضهم لقرار التقسيم رقم ( 181 لسنة 1947 ف ) لأنه – حسب اعتقادهم – يهضم حقهم ، رغم اشتماله على دولة لهم وقوة وطنية لحفظ الأمن والحدود من الدولتين  .

ويجئ الاعتراض المركزي الآخر من اختلال المعادلة الديمغرافية حيث تم قهراً تهجير وتشريد وطرد الفلسطينيين من بلادهم ، و هدم بيوتهم وقلع أشجارهم وتجريف أراضيهم وحرق محاصيلهم ، مقابل تقديم إغراءات كبيرة لليهود في بلدانهم الأصلية بالهجرة إلى فلسطين واستيطانها عنوةً .

وهكذا لابد من تأمين عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم لإعادة التوازن السكاني للمنطقة تعزيزاً للمنطق وانتصاراً لقيم السلام الحقيقي الدائم والشامل .

كما أن قيام دولتين في هذه المنطقة المحشورة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط هو بمثابة حشر لجسدين في ثوب واحد،  يمتلك أحدهما قوة هائلة فيما يفتقد الأخر حتى القدرة على التنفس الطبيعي ، وهو ما يحكم على هذه الفكرة مسبقاً بالموت سحقاً بالدبابات الإسرائيلية ، التي لن يعوقها شئ عن اجتياح الجزر المتناثرة  للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بذرائع مختلفة  لحماية المستوطنات  الإسرائيلية  المزروعة في الضفة والقطاع مرة ، وللرد على عمليات فدائية لن تتوقف مرات أخرى .

 

كما  يشكل التداخل بين المصالح الاقتصادية بين الفلسطينيين و الإسرائيليين معطية لا يمكن تجاهلها رغم احتدام الصراع بينهما ، حيث تشكل اليد العاملة الفلسطينية الذراع الرئيسي في الإنتاج الزراعي و الصناعي و الخدمي الإسرائيلي ، و ما أفرزه ذلك التداخل من شراكه ضرورية على أرض الواقع.

 

التسميات ، هي الأخرى فقدت دلالاتها ، فأسم فلسطين يعني تاريخيا المنطقة الممتدة بين النهر و البحر ، و هو موثق في كافة الأدبيات التاريخية و الجغرافية ، و ليس فقط مجرد الضفة الغربية لنهر الأردن و قطاع غزة ، غير أن هذا الاسم تغير بعد منتصف نهار الخامس عشر من شهر الماء / مايو  1948 ف إلى إسرائيل ، التي حصدت قبل نهاية الأسبوع الأول من ولادتها الكبرى لإلوف من القتلى برعاية من تلك الدول التي  أرادت  التخلص من اليهود لديها بشحنهم إلى المقبرة .

و هكذا يستحيل تماماً قيام ما يسمي بدولة فلسطينية لافتقادها لأحقية الاسم التاريخي أولاً ، و لعدم تطابقها مع اشتراطات يستوجبها القانون الدولي الذي يعتمد ثلاثة مفاصل رئيسية للاعتراف بالدول و هي توافر : الإقليم و الشعب و السلطة .

إن حقائق الواقع على الأرض تنفي تماماً الاستجابة لهذه الاشتراطات ،  فالإقليم الذي يعني الأرض ليس موجودا بشكل فعلى ،  للتداخل الكبير بين مختلف الشعبين ، ولوجود المستوطنات في كامل الأراضي  ، كما أن  الشعب موزع في الشتات في الخارج  .

إن غياب تحقق هذين الشرطين جعل معطية السلطة غير ذات معني قانونا ،  و يعزز ذلك ما نشهده من ممارسات يومية ضد ما يصفه الإعلام بالسلطة الفلسطينية من حصار و مداهمة و منع من الحركة خارج مساحات ضيقة ومحددة .

أما من الناحية الديمغرافية والسكانية فتعد العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين متشابكة ومعقدة ، فرغم المواجهات  الدائرة يوميا بينهم إلا انهم يقومون بعملية التكامل الاقتصادي الديمغرافي عمليا ، حيث  يوجد  أكثر من ( 153 ألف) عامل فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة يعملون  داخل دولة إسرائيل  ( ما يسميه الفلسطينيون أرض الثمانية و اربعين )  في مختلف المجالات ، من بناء وزراعة وصناعة ، ويعتمد عليهم الإسرائيليون كثيراً في أداء هذه الخدمات ، حيث لا عمالة بدون الفلسطينيين ولا دخل بدون الإسرائيليين ، فكل منهما بحاجة إلى الآخر ومكمل له .

كما أن هناك مليون فلسطيني يعيشون مع الإسرائيليين داخل دولتهم ، ويعتبرونهم مواطنين إسرائيليين ، يحملون الجنسية الإسرائيلية ومنهم أعضاء في الجيش والأمن  ، ويشاركون  في الانتخابات الإسرائيلية ، ويقودون بعض الأحزاب السياسية ومنهم أعضاء في الحكومة والكنيست .

 

وأنه من الصعب جداً على الإسرائيليين التفكير في تغيير التكويــــن الديمغرافي لأرض الثمانية والأربعين  والاستغناء عن المليون فلسطيني وإخراجهم  خارجها ،  لأن ذلك سيؤدى إلى تداعيات خطيرة .

كما أن  هناك عشرات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي بعض المدن الأخرى ، حيث توجد أحياء يهودية كاملة في بعض المدن الفلسطينية كما في الخليل مثلا  ،  حيث  صمم توزيع هذه المستوطنات اليهودية لتكون بين المناطق العربية وداخلها وليست حولها ، حيث يبلغ عدد هذه المستوطنات أكثر من (200) مستوطنة يسكنها اكثر من أربعمائة ألف إسرائيلي ، وهي تتزايد بحوالي 200 إلى 500 وحدة سكنية كل عام ، ومن الصعوبة تفكيكها أو إزالتها أو نقلها من هذه الأماكن إلى أماكن أخرى .

 

كما يوجد في الضفة الغربية وقطاع غزة (215) ألف إسرائيلي وفي القدس الشرقية أكثر من (170) ألف إسرائيلي  .

كما أن هناك أراض وتجمعات سكنية مختلطة فلسطينية إسرائيلية تقع تحت سيطرة أمنية مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين .

إن الحقيقة التي نستنتجها من هذا الاندماج والاختلاط والتكامل ، أن الشعبين الفلسطيني  والإسرائيلي مندمجين ديمغرافياً واقتصاديا مع بعضهم البعض  اندماجاً كبيراً ، وإن نسبة النمو والازدياد ستؤدى إلى خلق حقائق سكانية جديدة تجعل من اختلاطهم واندماجهم وضرورة العيش المشترك لهم أمراً واقعاً وضرورياً  ، وستجعل من إمكانية نقل  أو عزل أو ترحيل إي طرف منهم  عن الأماكن التي ولدوا وعاشوا واستقروا فيها أمرا مستحيـلا غير قابل للتطبيق .

 

كما تسجل الجغرافيا ومنطقها الحتمي الاعتراض الرئيسي والمركزي للحلول التلفيقية ، حيث تؤكد استحالة قيام دولتين في المنطقة الواقعة بين النهر والبحر ، باعتبارها منطقة ضيقة لا تحتمل ذلك ، إضافة للتاريخ الطويل من العداوة والأحقاد التي لن ينتج تجاورها سوى مزيداً من التقاتل والعنف وتناسل الضحايا ، حيث يصل الشريط الفاصل بين حدود الدولتين إلى بضعة كيلومترات في بعض الأماكن .

كما أن امتلاك الإسرائيليين للسلاح النووي يشكل وحده اعتراضا رئيسيا متكررا على قيام الدولتين ، ويحول دون استخدامه منها ، في ظل هذا الالتصاق والاقتراب بين الشعبين ، وهو اعتراض لن ينتفي إلا بامتلاك الفلسطينيون لنفس السلاح وهذه معطية لا يمكن وضعها إلا في خانة الاستحالة لأسباب تتعلق بالحضر  الدولي الصارم على العرب وغيرهم  بامتلاك هذا النوع من السلاح ، و إن غياب الرادع النووي في هذا المشهد يفكك أية إمكانية لرؤية واقع  ينعم بأي قدر من الهدوء في حالة فرضه قسرياً بمنطق القوة السائد في عالم اليوم .

 

أما على المستوى الشعبي ، فإن خطاب المواطن الفلسطيني والإسرائيلي يختلف عن الخطاب الرسمي للسياسيين حول تقسيم الأرض وإنشاء دولة للفلسطينيين وأخرى للإسرائيليين ، فهم يرون أن السلام الحقيقي بين أبناء الشعبين لا يمكن أن يتحقق بتقسيم هذه الأرض  الصغيرة والمقدسة التي روتها دماء أجدادهم  لكلا الطرفين ، وأن ذلك يقمع الطموحات ويخيب الآمال والأحلام القومية والدينية لكلا الجانبين في العيش على أرض الآباء والأجداد بسلام ويزيد في حــدة الصراع وسفك الدماء .

فالفلسطينيون يرون أن فلسطين هي أرضهم من النهر إلى البحر ولا يمكن في أي حال من الأحوال التفريط في أي جزء منها ، وكل شبر منها مقدس بالنسبة لهم ، ففيها بيت المقدس أولى القبلتين وثاني الحرمين ومسرى نبي الله محمد . ولديهم إيمان مطلق بأن كل المدن الإسرائيلية كالقدس ويافا وحيفا وعكا وعسقلان وأشدود واللد والرملة وصحراء النقب وغيرها من المدن والمناطق ما هي إلا أراض عربية فلسطينية محتلة من الإسرائيليين ، وتحريرها واجب مقدس إن آجلاً أم عاجلاً  .

 

أما اتفاقيات السياسيين  حول إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، فهي مرفوضة من قبلهم جملة وتفصيلاً ، لأنها لن تحل المشكل وتعيد الأرض كاملة ، ولا تؤدي إلى سلام حقيقي ، ويعتبرونها مجرد اتفاق سياسي وليست نصاً مقدساً . ولذا فإن القتال والمقاومة سيستمران حتى تحريرها من أيدي المغتصبين .

وكذلك الحال لدى الإسرائيليين فهم يعتبرون أنفسهم في وطنهم القديم ، مركز وعيهم وذاكرتهم المشتركة ( أرض الميعاد ) التي وعد الله بها نبيه إبراهيم ، فلهم فيها إرث تاريخي وديني لا يمكن لأحد أن ينكره عليهم ، فهو الوطن الذي يحقق فيه المواطن الإسرائيلي المشتت ذاته وهويته ، لذلك فهم يرفضون تقسيم وطنهم المقدس ، لأنه يتعارض ومعتقداتهم القومية والدينية ، والقدس بالنسبة لهم هي العاصمة الأبدية لدولتهم الحاضنة  لهيكل سليمان ( رمز الديانة  اليهودية )  ، والضفة الغربية هي أرض إسرائيلية بالنسبة لهم ويطلقون عليها ( يهودا والسامرا ) ،  وتمثل الضفة الغربية والقدس عند الشعب الإسرائيلي جوهرة تاج أرض إسرائيل ، وهى اكثر الأراضي قداسة فى العالم بالنسبة لهم .

 

ولذلك يبدو واضحاً وجلياً أن كلا الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي يرى أنه له حقوق طبيعية للحياة وللسيطرة على كل تلك الأرض . فالفلسطينيون يرون أن (حيفا) هي بلدة عربية عاش فيها آبائهم من قبل ، ويرى الإسرائيليون أن (الضفة الغربية او يهودا والسامرة والقدس) هي مناطق إسرائيلية لا يمكن التخلي عنها ، وكل حل سيسعى إلى تقسيم الأرض بينهما سيكون حلاً غير عملي وغير مقبول ، وسيؤدي إلى عواقب وخيمة لا تنتهي في كلا الجانبين ،  اللذان سيسعيان للاستمرار في القتال لتحرير الجزء الآخر المقدس بالنسبة لهم .

 

إلا أن هذه الآراء لم تمنع بعض المفكرين والسياسيين اليهود من طرح فكرة الدولة الواحدة كحل للنزاع العربي الإسرائيلي ،

مثل مقترح ( مئير عميت )  أحد قادة منظمة هاغانا ورئيس جهاز المخابرات السابق ووزير المواصلات عام 1977 ف وعضو الكنيست ، الذي شكك في جدوى و إمكانية تطبيق الحلول المتطرفة السهلة المطروحة ودعا إلى حل موضوعي يحظى بموافقة جميع الأطراف الدولية ، حتى ولو رفضه المتطرفون من الجانبين ، وطرح حل كونفدرالي للقضية الفلسطينية ، كخيار من عدة خيارات ، وليس توراة نزلت على موسى ، وهو حل لإقامة اتحاد كونفدرالي أردني فلسطيني إسرائيلي يحظى باعتراف دولي ، تكون عاصمته القدس ، ويمكن تنفيذه على مراحل ، لحل العداء التاريخي وبلورة المواقف الإيجابية ، وهو حل تفرضه اعتبارات اقتصادية و اجتماعية و عسكرية و جغرافية ، ويمكن أن يتحول إلى اتحاد فيدرالي .

 

لقد جاء اعتراف وزير الخارجية البريطاني مؤخراً بمسؤولية المملكة المتحدة عن جملة من الأخطاء التاريخية إبان حقبة الاستعمار ، وفي مقدمتها وعد بلفور وما ترتب  عنه من أوضاع جيو سياسية في المنطقة العربية ، دلالة على أن الدعوة لتصحيح تلك الأوضاع بتفكيك ترتيبات الحربين العالميتين الأولى والثانية يكتسب مشروعية أخلاقية ، ناهيك عن كونها ضرورة لوقف نزيف الدم وتجفيف منابع التوتر نهائياً ، وهو ما ينبغي أن يتم باللجوء للحلول الجذرية والتخلي تماماً عن أساليب التلفيق التي بات واضحاً مدى ارتباطها الوثيق بمصالح الدول الكبرى .

إن قراءة تحظى بالعقلانية الأخلاقية للعقدين الأخيرين من القرن الإفرنجي الماضي تؤكد أن ما حدث في جمهورية جنوب أفريقيا يظل الأنموذج المثالي لما ينبغي الأخذ به في حل المشكلات المماثلة ، التي سببتها مصالح الدول الكبرى المحتدمة في حروب أسفرت عن ترتيبات ألحقت وما زالت ، أضراراً فادحة وخسائر مريعة لشعوب لا مصلحة لها فيها .

ولازالت تلك الخسائر والأضرار المتلاحقة  لشعوب المنطقة تشكل  مخرناً هائل الاتساع والعمق لنوازع الثأر والانتقام .

 

إن الحلول الجزئية والفردية لمثل هذه القضية تصب جميعها في خانة التلفيق الذي تأكد عدم جديته واستحالة جدواه اللهم إلا في مصالح انتخابية ضيقة لم تسفر هي الأخرى إلا عن  تصعيد وثائر التطرف والعنف من الجانبين .

ويجئ الاعتراف البريطاني بالمسؤولية عن هذا الوضع المأساوي تأكيداً على أن المشكل ليس مع العرب أو مع اليهود ولكنه يكمن في المشروع الاستعماري الصهيوني الواجب مقاومته بضراوة وهزيمته انتصار للسلام والأمن الذي لن يكون حقيقياً إلا باستناده على العدل .

إن هذا الحل الجذري يتوخى الاستخدام الأمثل للمفتاح الوحيد للخارطة المتفجرة بنزع صاعق التفجير و هو يفتح بوابة الأمن و السلام و التعاون .

 

أتقدم بهذا الكتاب الأبيض احتراماً للروح البشرية التي تزهق بلا خطيئة ، و انحيازا للإيمان العميق الذي اعتنقه بوجوب قيام العدل قاعدة للسلام ، الذي لا تهاجسه الكوابيس التي تطوقها رايات الإرهاب .

 

و أسجل بهذا الكتاب الأبيض اطمئناني للقيام بتقديمه ، لما يحتمه على موقعي كقائد لثورة أممية ، و مؤسس للاتحاد الإفريقي ولتجمع سين صاد الأفريقي ، و قائد للقيادة الشعبية الإسلامية ، و كمفكر يسعى من خلال اطروحاته لتفكيك شفرة خلية الصراع أساساً .

إن الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي تتشرف بإعلان استعدادها المساهمة في إقامة صندوق دولي يتولى الإشراف الكامل على تنظيم حملة عالمية ( ندوات ، ملتقيات ، ورش عمل ، مطبوعات ، …الخ ) تبدأ في الولايات المتحدة و بريطانيا وفرنسا و ألمانيا و إيطاليا قبل أن تمتد وفق برامج نخطط لها مسبقاً إلى مناطق أخرى بهدف توزيع الكتاب الأبيض و شرحه لتشكيل رأي عام عالمي يوفر المناخ لاعتماد الحل النهائي للصراع العربي الإسرائيلي .

إن التفكير لتجنب كل أنواع الصراع فكرة أساسية لا محيد عنها لإنهائه ، وخلافاً لذلك ، فإن شلال الدم سيظل مستمراً ومتزايداً ، وسيتبع التبريرات المختلفة لذلك .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الرياضة والفروسية والعروض

الرياضة إما خاصة كالصلاة يقوم بها الإنسان بنفسه وبمفرده حتى داخل حجرة مغلقة ، وإما عامة تم…